عن دار النشر التوحيدي، أصدر الكاتب و الروائي المغربي عبد السلام بوطيب أخيرا كتابا جديدا معنونا ب في صناعة الأمل أولويات المشروع والمهام، و هو كتاب يقع في ستة فصول، خصص مقالا فيه بين المقدمة و الفصل الأول للحديث عن تجربته كرئيس لمركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية و السلم، و هو حسب رأيه من المؤسسات المساهمة في صناعة الأمل بالبلد، مركزا على صيغ تعاطى هذه المؤسسة السياسية الحقوقية مع القضايا الخلافية في المجتمع و التي تحتاج الى تجربة مصقولة و ذكاء خاص، و لا سيما قضايا الهوية و الانتماء. وأسس لهذا المقال، والكتاب برمته بقصيدة للشاعر شارل ماكاي، متصرفا في خاتمتها قائلا:
ليس لديك أعداء، تقول؟
للأسف يا صديقي،
التفاخر ضعيف،
من اختلط في معركة الواجب التي يتحملها الشجعان، لا بد أنه خلق أعداء،
إذا لم يكن لديك أي عدو، فما أضعف العمل الذي قمت به،
لم تضرب أي خائن في وركه.
لم تحطم كوبًا في الشفاه المجروحة.
أنت لم تكتب أفكارك،
ولم تحملها في قلبك،
أنت لم تحول الخطأ إلى الصواب أبدًا.
لقد كنت جبانًا في القول والكتابة،
في القتال والحب.
مستندا الى روح هذه القصيدة التي يستحضرها كثير من السياسيين في أزمات الشجاعة السياسة، وشجاعة القول، قال الكاتب في مقدمة كتابه: وضعتُ بين دفَّتي هذا الكتاب إحدى وخمسين مقالة؛ مقالات لم أكتبها بمداد التفاخر والاعتزاز الإيديولوجي، ولا بمداد الاستسلام والخنوع؛ بل كتبتها بشكيمة المتفائل الراغب في الازدهار والتقدم نحو الأفضل. كيف لا، وأنا من القلة المحظوظة التي كُتب لها استكشافُ عوالم” العدالة الانتقالية“باكرا، والإيمان الصادق، والعميق بدرب الإنصاف والمصالحة من أجل بناء وطن يسع الجميع.
و جاء الفصل الأول من الكتاب غنيا بمقالات تنظيرية حول عالم ما بعد الكوفيد 19 ، من أهمها : في تداعيات أزمة “الكوفيد19”. ما بعد كورونا: المغرب و ”مجموعة البلدان الرثة“. ما بعد الكوفيد: في مستقبل دور الدولة والأحزاب وضرورة تسريع وتيرة السيرورات التاريخية.
الا أن أهم فصل في الكتاب هو الفصل الثاني الذي تعرض فيه الكاتب بالتفصيل لتجربة حزبه الاصالة والمعاصرة، حيث عنون الفصل الممتد على عشر مقالات بالأصالة والمعاصرة بين القطيعة والاستمرارية. و قد حاول الكاتب أن يقرأ راهن و مستقبل هذا الحزب على ايقاع راهن و مستقبل مسلسل الانصاف و المصالحة الذي انطلق في المغرب سنة 2004، و عاش أزمة كادت أن تعصف به سنة 2011 ، قبل ان يلوح في الأفق، بعد انهزام الإسلاميين في الانتخابات التشريعية الأخيرة، أمل الرجوع الى روحه، و توصيات هيئة الانصاف و المصالحة، و ما بني بشكل توافقي و تشاركي من أرضيات لبناء الديمقراطية و حقوق الانسان.
و في قراءته هذه انتهى الكاتب الى خلاصات من بينها:
أولا، أن قادة حزبه الحاليين لا يستحضرون لا في اشتغالهم السياسي اليومي، ولا في اشتغالهم الاستراتيجي، علاقة قيام حزبهم بتجربة الانصاف والمصالحة، مما جعلهم في حالة تيهان وشرود سياسي، صعب عليهم رسم موقعهم في الخارطة الحزبية المغربية بدقة، و القيام بمبادرات حقوقية سياسية، وطنية أو جهوية أو دولية، تعكس هويته، و تخدم القضايا الاستراتيجية للبلد، و لا سيما في المجال الحقوقي.
ثانيا، أن انعدام هذا الارتباط صعب على الناس التمييز بينه ، أي حزب الأصالة و المعاصرة، و بين باقي الأحزاب التي تربطها علاقة ما بالأدراة، اذ بالنسبة للكاتب فالأصالة و المعاصرة ليست حزبا إداريا بالمعني الذي استعمل في الصراع الحزبي بين أحزاب الإدارة و الأحزاب التي ولدت من رحم حاجة مجتمعية ، بل هو حزب وجد من أجل ترجمة موحدة للإرادات المتعددة لبناء مغرب يسجل نفسه ضمن البلدان الصاعدة سياسيا و اقتصاديا، حيث قال : و بما أن منهجية العدالة الانتقالية علمتنا أن توصيات أي هيئة للمصالحة يجب أن تنتهي في ايادي السياسيين الحزبيين لتحويلها إلى برامج حزبية قابلة للتحقق ناديت في كثير من مقالات هذا الكتاب بأن على تجربتنا في الإنصاف والمصالحة أن تثمر حزبا، بطرق جديدة تضمن لنا حزبا وطنيا قويا بمرجعيته، و يسمح لنا بامتلاك حزب حداثي ديمقراطي حقيقي، مساهما في تأسيس العائلة الحزبية الجديدة هي قيد التشكل الآن ، وهو العائلة التي يسميها خوان مانويل سانتوس، رئيس الجمهورية الكولومبية سابقا، ب”عائلة المتصالحين الكبار“.
و لعل هاتين الخلاصتين هما التي دفعتا الكاتب، و هو عضو في المجلس الوطني للحزب، الى عدم تحويل الحزب الى وكالة انتخابية في مرحلة الانتخابات التشريعية السابقة. و الى دعوته، خلال تشكل الحكومة الراهنة، الى عدم المشاركة فيها، و تهيئ نفسه ليكون حزب المستقبل، قادرا على ترجمة صحيحة لتوصيات هيئة الانصاف و المصالحة، و ما سيتبلور من أفكار جديدة خلال مسار الجولة الثانية من مسلسل الانصاف و المصالحة، التي يراها الكاتب ضرورية ليستمر المغرب في المسار الذي رسمه له خطاب تأسيس هيئة الانصاف و المصالحة.
بعد هذا الفصل الذي أتى على ثلثي الكتاب، أورد الكاتب مقالات و حوارات في مختلق المواضيع الحقوقية و السياسة التي يهتم بها كحقوقي و سياسي، قبل ان يختم كتابه قائلا :في هذا الكتاب، إذن، مقالات تحاول، ليس فقط الخوض في كل ذلك، بل أن تبحث كذلك عن ”شمال“، الأمل لتجميع الإرادات التي تعرف كيف تكتب بمداد الصبر، بناء مغرب ما بعد كورونا، مغرب أبعد ما يكون عن مجموعة الدول الرثة التي هي قيد التشكل، والتي تعتمد في تشكّلها على ”الطاقات“ البالية الموغلة في تقديس الخرافات وشخوصها وخزعبلاتها، لتضع العراقيل أمام تعليم بجودة عالية، وأمام صحة بالمقاييس التي ألزمَنا بها الفيروس، وأمام أمن جسدي ونفسي وثقافي يقينا من التخلف والغوغائية، و يسمح لي(لنا) بالاستمرار في الحلم بوطن يتسع للجميع، وأن أكون واحدا من المتشبعين بثقافة زراعة الأمل .
فهل علي أن أحافظ على مهنتي بنفس التواضع؟
– نعم!
انها مهمة قبل أن تكون مهنة، وهي مهمة صعبة جدا، بالرغم من ذلك سأهبها ما تبقى من شباب الروح والفؤاد، وعنفوان الأمل الذي لاينطفئ.
اترك تعليقاً