لقد عرفت جماعة إمزورن، منذ بداية ولاية 2021\2026، وانتخاب المجلس الجماعي ورئيسها، العديد من الصراعات والخلافات السياسية، فضلا عن التي شهدتها خلال الحملة الانتخابية وقبلها، واستبشرنا خيرا، ظنا ممن خبر العمل السياسي بشكل خاص، أنه بداية الفأل والخير، لأن وجود الاختلاف والمنافسة إنما يرمز إلى تعدد الرؤى والحلول، ما يعني بالضرورة التقدم إلى الأمام وصناعة النجاح؛ غير أن كل الأماني تلاشت بعدما وصل حال الجماعة إلى ما عليه الحال اليوم (15 يناير 2023)، حيث لم يستطع المجلس الجماعي للمرة الثانية من عقد دورته العادية إلا بعد التأجيل لعدم اكتمال النصاب مرتين، دون معرفة الأسباب الحقيقية وراء ذلك.
وعليه، قد تتعدد الأسباب لعدم تفاهم أعضاء الجماعة ورئيسها، وقد يرمي كل طرف منهم الكرة لملعب الآخر، لكن ما لا يجب أن يكون محل شك وظن، هو أن من يتسبب في الأزمة التي يسري تأثيرها على مستويات مختلفة، منها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، لن يرحمه التاريخ وسيكون محل سخرية الجميع عندما جعل من ثاني جماعة بإقليم الحسيمة مضرب المثل في العشوائية وسوء التدبير؛ ولعل الكثير منا يتساءل عن المسؤول الأول في خلق الأزمة وصناعة البؤس السياسي، بعدما عقدت ساكنة الجماعة الآمال على من أطلق الوعود وادعى زورا وبهتانا أنه أفضل ممن سبق وتولى زمام الأمور؟
للتذكير، فإن المجلس الجماعي لإمزورن شكل أغلبيته حزبين رئيسيين هما حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي، بقيادة رئيس استقلالي؛ لكن هذا لا ينسينا أنه عندما نتحدث عن الانتماء الحزبي هنا لا نعني به الانتماء بمفهومه الأصلي، وإنما نقصد اللون الذي ترشح به العضو؛ حيث نجد أن من بين الكثير من نجح قد التحق بالحزب عبر أخذ التزكية لا غير، بعدما كان يمثل حزبا آخر في الولاية السابقة لمن سبق أن كان عضوا، بل حتى من التحق جديدا إلا عدد قليل منهم؛ ونفس الأمر يسري على من يدعي تمثيله فريق المعارضة باسم الحركة الشعبية، حيث لم يثبت حال أحد منهم في حزب سياسي لفترة تدوم خمس سنوات إلا في حالات نادرة.
وعليه، وفي سياق هذه المعطيات، نسائل هؤلاء جميعا عن سبب توقيف عجلة التنمية في الجماعة لما يفوق سنة تقريبا، ونقول لهم: لماذا الالتجاء إلى غياب دورات المجلس وعدم مناقشة النقط المدرجة؟ أنت أيها الرئيس: لماذا لم تنجح في الحفاظ على الأغلبية التي صوتت لصالحك عندما جعلوك رئيسا؟ هل من حقنا أن نسألكم ونقول: على أي شيء شكلتم الأغلبية وعلى أي أساس اختلفتم اليوم؟ فما هو البرنامج الذي تعاقدتم عليه، واليوم لم تستطيعوا الوفاء به لساكنة إمزورن؟ وغيرها من التساؤلات التي تفرض نفسها عندما نستحضر الحديث عن تسيير الجماعة وتحقيق الصالح العام….
وبالتالي، فإن محاولة التفاعل مع كل تلك التساؤلات، بصفتنا أبناء الجماعة ومهتمين بتدبير الشأن الجماعي، يجعلنا نخرج ببعض الإجابات، ونقول:
إن المشاركة في تدبير الشأن العام يقتضي نوع من التضحية ونكران الذات، فضلا عن امتلاك الحد الأدنى لأبجديات ممارسة العمل السياسي؛ حيث أن العمل السياسي، وتمثيل الساكنة في أي مؤسسة منتخبة، يتطلب استحضار المصلحة العامة وتجاهل المصالح الشخصية قدر الإمكان، وإنما وجب عدم الانتصار للذات عندما يكون ذلك عائقا لتحقيق التنمية والمصلحة العامة؛ ولعل هذا يفتقد إليه من يتولون تسيير شأن جماعة إمزورن، سواء من خلال موقع الأغلبية أو المعارضة؛ ذلك أن مكتب المجلس ورئيسه لا يبدو أنهم يملكون رؤية واضحة تجعلهم ينتصرون لتحقيقها، مما يجعلهم ينشغلون بالخلافات وتوسيع دائرة الحزازات حتى صار عندهم مصلحة الجماعة والساكنة أخر شيء يُفكر فيه؛ ولعل خير دليل على ذلك هو الانقسام الذي شهده فريق الأغلبية.
أما الفريق الآخر، والذي يمكننا تسميته بفريق المعارضة تجاوزا، لأن المعارضة لا تعني التصويت بلا إلا بوجود تصور مخالف وأفضل مما قُدم، فلا يظهر أنها صاحبة رؤية ولا مشروع، وربما لا تدري حتى ما تريد فعله؛ وإنما يصلح وصفها بذلك الذي يمكن أن يسيطر على السفينة ولا يعرف قيادتها؛ لأن القانون التنظيمي للجماعات 113.14 يمنح الكثير من الصلاحيات لمن تحصل على نسبة معينة من أعضاء المجلس، كأن يطالب بعقد دورة استثنائية أو إدراج نقط معينة في جدول الدورة وهكذا؛ فحسب ما أظهرت الممارسة، لا يبدو أن هؤلاء فعلوا مقتضيات القانون التنظيمي، بل يكتفون ب “وضع لعصى فرويضة” كما يقال في المثل.
وبخلاصة، يمكن القول أن عدم ممارسة الفعل السياسي كما يجب ممارسته، مع انطلاقة خاطئة في البداية عند تشكيل المجلس، ولا داعي لسرد التفاصيل كلها، وإنما نكتفي بمسألة الاختفاء قسرا عن الأنظار إلى غاية انعقاد دورة انتخاب الرئيس وأعضاء المكتب، كانت كافية لأن نعرف سبب فشل المجلس الجماعي في التسيير، والذي سبق أن توقعناه عندما نشرنا مقالة تحت عنوان: “تشكيل المجالس الجماعية وصناعة البؤس السياسي” قبل التصويت على مكاتب المجالس الجماعية ورؤسائها؛ فضلا على انتشار ظاهرة تغيير اللون السياسي التي لا يُعرف أسبابها والتي غالبا ما تكون ذا علاقة بخلافات ضيقة وشخصية.
وقبل الختم، نقول: إن المسؤول عن هذا البؤس السياسي الذي نعيشه في جماعة إمزورن يتحمل مسؤوليته جميع أعضاء المجلس، وعلى رأسهم الرئيس الذي لم يستطع خلق الانسجام داخل المجلس، ولا الانسحاب وتقديم الاستقالة عندما رأى نفسه غير قادر على ذلك؛ لكن لا يمكن أن نعفي الأحزاب السياسية التي لم تتخذ موقفا صارما ممن يحمل اسمها ويمثل الساكنة باسمها، بل على الأقل محاولة التصرف وتدارك ما يمكن تداركه حتى لا يُفقدوا الساكنة الثقة في العمل الحزبي والسياسي بشكل نهائي، ولو بإصدار بيانات توضح أسباب البلوكاج؛ غير أن ما يجب أن لا ننساه هو ذلك الناخب الذي صوت لهؤلاء مقابل دريهمات أو الطمع في بعض المصالح الشخصية الصرفة، بل حتى الذي لم يحسن الاختيار واكتفى بالسير مع الموجة وفقط.
وختاما، أحببت حكي قصة تعبر عن حال كثير منا وهو يعايش البؤس السياسي لمجلس الجماعة، والتي مفادها أن قرية، في زمن ما، احتج سكانها على زعيم لهم، إلا إمرأة عجوز سارت ضد التيار، واستدعاها زعيم القبيلة مستفسرا، وقالت له: يا بني، أنا لا أشك أنك زعيم فاشل وظالم، غير أن هؤلاء الشباب المحتج ضدك ويطالبوك بالرحيم لم يعايش الزعماء الذين قبلك، حيث كلما ذهب زعيم إلا وأتى من هو أكثر بؤسا من ذي قبله، وأخاف أن تذهب ويأتي من هو أبأس منك.
اترك تعليقاً